أنواع التفسير عند ابن عباس
ثم ذكر كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن أنواع التفسير أربعة: النوع الأول: تفسير لا يعذر أحد بجهالته، ويعرفه كل أحد، فلا يحتاج معرفته إلى لغة ولا إلى حديث، وذلك كقوله تعالى: (( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ))[البقرة:163] فهذه لا تحتاج إلى تفسير؛ لأنها واضحة وبينة بذاتها. والنوع الثاني: تفسير تعرفه العرب، أي: يعرف من لغة العرب كقوله تعالى: (( فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ))[الأنعام:14] ومثل لفظ: الاستواء، ولفظ القروء. ومما نعرفه من كلام العرب أيضاً لفظ: المس في قوله تعالى: (( مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ))[البقرة:237]. والنوع الثالث: تفسير يعرفه العلماء الراسخون في العلم، الذين أهلهم الله تبارك وتعالى لمعرفة كتابه، فهم يفسرون ويستنبطون، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، كما قال علي رضي الله عنه لما سئل: [هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من العلم؟ قال: لا، إلا ما في هذه الصحيفة، وفهماً يؤتيه الله من يشاء] فالفهم في كتاب الله فضل من الله، فمن الصحابة من كان غاية في التفسير، ومنهم من كان دون ذلك، وكذلك التابعون فمن بعدهم، فهم يستنبطون الأحكام، ويربطون الآيات بعضها ببعض، ويستخرجون منها ما لا يدركه غيرهم، وإن كان عالماً بلغة العرب أو أي علم آخر.والنوع الرابع: لا يعلمه إلا الله، وهو ما يتعلق بحقائق صفات الله أو اليوم الآخر أو ما يشبه ذلك من أمور الغيب، فلا يعلمها إلا عالم الغيب والشهادة تبارك وتعالى. يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (فاسم الصلاة والزكاة والحج ونحو ذلك قد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يراد بها في كلام الله ورسوله) أي: فلا نحتاج في معرفة معناه عند الشارع إلى اللغة، وإنما نعرفها من تعريف الشرع لها كما في الآيات والأحاديث. (وكذلك لفظ الخمر وغيرها) فإن الخلاف فيها قائم بين فقهاء العراق وفقهاء المدينة وغيرهم، ففقهاء العراق يرون أن الخمر اسم لعصير العنب خاصة لكن الجمهور يردون عليهم هذا؛ لأن اسم الخمر يجب أن نأخذ معناه من بيان الشارع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( كل مسكر خمر ).ولا يصح أن تخصص بنوع أو باسم معين، فكل مسكر خمر من أي مادة كان، ومما احتجوا به على هذا أن أكثر الخمر الذي كان في المدينة لم يكن من العنب؛ لأن العنب كان قليلاً في المدينة ، وإنما كان الخمر من النخيل والشعير، وما أشبه ذلك. فالألفاظ الشرعية كأركان الإسلام أو اسم الخمر أو أي لفظ آخر إذا جاء بيانه من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاج معه إلى بيان أحد، لا من أهل اللغة ولا غيرهم، ولا حاجة للبحث والكلام في اشتقاقها، وفي وجه دلالتها؛ لأن هذا زيادة فلا يقال مثلاً الصلاة مشتقة من كذا، أو الزكاة كذلك، أو تدل على كذا، وتعلل ذلك بأن المعنى اللغوي موجود في المعنى الشرعي وإذا كان هذا المعنى زائد فلا يضر، ولكن المقصود أن أصل معرفة المعنى الشرعي إنما نعرفها من الشرع.